قرية بدو
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
محمد زهران
محمد زهران
 
 
السٌّمعَة السٌّمعَة : 0
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 465
فلسطين
الــــجـــنــــس : ذكر
العمل : جامعي
الـــهــــوايــــة : السفر
الـــمــزاج : معاكم
وسام الابداع
المشرف المميز
وسام العطاء

m3 خطورة التساهل في الفتوى

الأربعاء يوليو 20, 2011 12:52 pm



بسم
الله الرحمن الرحيم










خطورة التساهل في الفتوى





وعدم جواز استفتـاء من عُرف بذلك





- للأستاذ
محمد بن محمد العمراوي السجلماسي








قرأت-منذ حوالي عشرين عاماً-
كلمة للعلامة: عبد الله كنون- رحمه الله
تعالى- ذكرها في تقديمه لكتاب (الفتاوي)
للعلامة محمد المدكوري كنوني –رحمه الله
تعالى- وهي قوله: "إن المفتي مخبر عن الله
-تعالى-".



وقد أخذ
العلامة كنون هذا المعنى من الإمام الشاطبي,
حيث يقول –رحمه الله- : " المفتي قائم في
الأمة مقام النبي –صلى الله عليه وسلم-"(
[1]).





وما زالت تلك الكلمة ترن في
أذني وكأنما سمعتها اليوم. وقد ابتليت في
هذه المدة الطويلة بالتصدر في المجالس,
والتحدث في المحافل. وسئلت عن مسائل سهلة –
وإن لم يكن في العلم شئ سهل- حيناً, وصعبة
أحياناً كثيرة.





ولقد خبرت هذا الميدان
(والناس يحسبون كل بيضاء شحمة) ، وحصلت لي
القناعة التامة, بأن الإفتاء -حتى ممن يملك
أدواته- أمر في غاية الخطورة, ومزلق عميق
الهوة ، فما بالك بمن لا يحسن العوم في
شطآنه, فأنى له أن يسبح في أعماق بحاره.
وتيقنت إن كثيراً من المستفتين ينصبون
للمفتي شراكاً, ويضعون له فخاخاً. وأن غرضهم
تعليق مفاسدهم على المفتي, ليسرحوا في
المعاصي ويمرحوا دون وخز قلب أو تأنيب ضمير.





قال
البهوتي – أثناء حديثه عما ينبغي أن يكون
عليه المفتي - : " .. معرفة الناس.. ينبغي
له أن يكون بصيراً بمكر الناس وخداعهم، ولا
ينبغي له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذرا
فطنا مما يصورونه في سؤالاتهم لئلا يوقعوه
في المكروه "





[2].





واليوم – وبعد تلك المدة
المديدة- قرأت كلمات نيرة, لعلم من أعلام
الفتوى , وفحل من فحول النوازل, في القرن
التاسع الهجري، وهو العلامة البارع، والمفتي
النافع، سيدي إبراهيم بن هلال السجلماسي,
المتوفى عام –903هـ . في ( نوازله) جعلتني
أتناول القلم لأسطر هذه الكلمات, لعلها تكون
هادياً لمن ابتلي بما ابتليت به,مع العلم –
والحق أقول- أنني لست في مجال الفتوى لا في
العير ولا في النفير.





وليس قصدي هنا الحديث عن
معنى الفتوى في اللغة والاصطلاح, كما أنه
ليس من قصدي في هذه العجالة الحديث عن
ضوابطها ومجالاتها. وإنما القصد هنا التذكير
ببعض ما كتبه أئمتنا عن خطورة التساهل في
الفتوى, وكون ذلك التساهل مسقطا لفتوى من
اشتهر به.مع التنبيه إلى أن اليسر الذي بنيت
عليه هذه الشريعة , لا يعني التحلل من
أحكامها أو التحايل عليها. لأن هذا الأمر له
وجهان: وجه اليسر ورفع الحرج، ووجه التكليف
الذي لا يخلو من مشقة.





قال
العلامة محمد الطاهر بن عاشور: " السماحة
سهولة المعاملة في اعتدال, فهي وسط بين
التضييق والتساهل, وهي راجعة إلى معنى
الاعتدال والعدل والتوسط".
[3]





ولا
يستقيم هنا الاحتجاج بحديث عائشة –رضي الله
عنها- قالت : " ما خير رسول الله بين أمرين
إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان
إثما كان أبعد الناس عنه …."
[4]
لقول ابن حجر: " قوله بين أمرين أي من أمور
الدنيا. لأن أمور الدين لا إثم فيها. ..
ووقوع التخيير بين ما فيه إثم وما لا إثم
فيه من قبل المخلوقين واضح. وأما من قبل
الله ففيه إشكال، لأن التخيير إنما يكون بين
جائزين، لكن إذا حملناه على ما يفضي إلى
الإثم أمكن ذلك، بأن يخيره بين أن يفتح عليه
من كنوز الأرض ما يخشى من الاشتغال به أن
لا يتفرغ للعبادة –مثلا- وبين أن لا يؤتيه
من الدنيا إلا الكفاف، وإن كانت السعة أمهل
منه. والإثم على هذا أمر نسبي، لا يراد منه
معنى الخطيئة لثبوت العصمة له " .
[5]





وقال
المناوي في حديث بمعنى حديث الباب : " ويؤخذ
منه أن على الإنسان تحري أعدل المذاهب،
واختيار أثبتها على السبك، وأقواها عند
السبر، وأبينها دليلاً وأمارةً، وأن لا يكون
في مذهبه كما قيل: ولا تكن كعير قيد فانقاد
".
[6]





والبحث
عن التخفيفات، وجعل ذلك منهجاً مطرداً في
الفتيا أمر غير رشيد، ومنهج غير قاصد، وهو
من طرائق اليهود في التفلت من أحكام الله،
ففي حديث رجم الزاني والزانية قالوا: اذهبوا
بنا إلى هذا النبي، فإنه نبي بعث بالتخفيفات،
فإن أفتى بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا
بها عند الله، وقلنا : فتيا نبي من أنبيائك
".
[7]










واعلم أن
المتصدر للفتوى, والمتعاطي للأحكام الشرعية,
لا يخلو من أن يكون مجتهداً أو لا: فإن كان
مجتهدا فإما أن يكون مجتهدا مستقلاً أو
مجتهداً مطلقاً أو مجتهد مذهب: فإن كان
مجتهداً مستقلاً -وهو أن يستقل العالم
بتأصيل أصول, وتقعيد قواعد, يمشي عليها في
اجتهاده,مثل تمسك أبي حنيفة بالاستحسان,
ومثل تمسك مالك بقول الصحابي وعمل أهل
المدينة, ومثل أخذ الشافعي بأقل ما قيل..-
وهذا النوع يختص بالأئمة الأربعة وشيوخهم
وأقرانهم ومن في طبقتهم..وهو لا يوجد الآن,
بل انقطع منذ زمن بعيد. لأن الأصول والقواعد
دونت وفرغ منها, ولا يمكن أن يزاد علبها أصل
ولا قاعدة".
[8]
أو مجتهدا مطلقا " وهو أن يأخذ العالم الحكم
من الدليل, غير متقيد بمذهب من
المذاهب...لكنه يمشي في اجتهاده على الأصول
المدونة والقواعد المقررة. وهذا النوع لا
ينقطع, ولا يمكن أن ينقطع إلى قرب يوم
القيامة..وهو الذي ينصرف له الاجتهاد عند
الإطلاق.





ويشترط
فيه أن يكون الشخص عالماً بالقرآن ووجوه
تأويله, وبالحديث وعلله ومعانيه, بصيراً
بأقوال الصحابة والتابعين, عارفاً بمواقع
الإجماع والخلاف.. وأن يكون اجتهاده في حدود
القواعد الشرعية المقررة, وداخل إطار ما
تقتضيه ألفاظ الكتاب والسنة, حسب مدلولاتها
اللغوية, على اختلاف أنواعها المعروفة في
اللغة العربية، لا على أساس المصطلحات
المستحدثة في العصور المتأخرة, ولا على أساس
تحميل الألفاظ ما لا تحتمله من المعاني،
وألا يؤول النص الصريح, إذ الصريح لا يقبل
التأويل. ويلحق في عدم التأويل-أيضاً-
الظواهر الكثيرة المتواردة على معنى واحد,
وألا يجتهد مع وجود النص..."
[9]
.





فهذا – ومن باب أولى المستقل
- يجب علبه أن يعمل بما أداه إليه اجتهاده
وأن يفتي به كذلك .





وأما القسم الثالث, وهو
مجتهد المذهب, فلا يجوز له العدول عن
المشهور, ولا تتبع الرخص, والتقاط الأقوال
من المذاهب المختلفة، كما يفعل بعض الناس في
هذا الزمان بدعاوٍ كثيرة, مثل التيسير على
الناس, والتخير من الخلاف, وما في معنى ذلك
من الدعاوي المردودة .










يقول
الحافظ الذهبي : " من بلغ رتبة الاجتهاد ،
وشهد له بذلك عدة من الأئمة، لم يسغ له أن
يقلد. كما أن الفقيه المبتدئ والعامي الذي
بحفظ القرآن أو كثيراً منه لا يسوغ له
الاجتهاد أبداً ، فكيف يجتهد وما الذي يقول؟
وعلام يبني؟ وكيف يطير ولما يريش؟ . والقسم
الثالث: الفقيه المنتهي اليقظ الفهم المحدث
، الذي قد حفظ مختصراً في الفروع ، وكتاباً
في قواعد الأصول وقرأ النحو ، وشارك في
الفضائل، مع حفظه لكتاب الله وتشاغله
بتفسيره وقوة مناظرته ، فهذه رتبة من بلغ
الاجتهاد المقيد ، وتأهل للنظر في دلائل
الأئمة ، فمتى وضح له الحق في مسالة وثبت
فيها النص وعمل بها أحد الأئمة الأعلام ،
كأبي حنيفة-مثلا- أو كمالك و…فليتبع فيها
الحق ولا يسلك سبيل الرخص، وليتورع ، ولا
يسعه فيها بعد قيام الحجة عليه تقليد ".
[10]










ولما للتساهل في
الفتوى من الخطورة في أحكام الدنيا والدين
.. ورد التحذير من الإقدام عليها، أو التسرع
في أخذ زمامها. قال الله –عز وجل- : ((قل
أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه
حراما و حلالا قل آالله أذن لكم أم على الله
تفترون )) يونس الآية-59-.





قال
أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري-رحمه
الله- : " وكفى بهذه الآية زاجرة زجراً
بليغاً عن التجوز فيما يسأل عنه من الأحكام،
وباعثة على وجوب الاحتياط فيه. وأن لا يقول
أحد في شئ جائز أو غير جائز. إلا بعد إيقان
وإتقان. ومن لم يوقن فليتق الله، وليصمت،
وإلا فهو مفتر على الله " .




[11]










وأخرج الدارمي في سننه عن النبي –صلى الله
عليه وسلم- أنه قال : ( أجرؤكم على الفتيا
أجرؤكم على النار ).
[12]




وقال ابن المنكدر : "
المفتي يدخل بين الله وخلقه، فلينظر كيف
يفعل، فعليه التوقف والتحرز لعظم الخطر " .




وكان ابن عمر إذا سئل
قال : " اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمر
الناس فضعها في عنقه، وقال: يريدون أن
يجعلونا جسرا يمرون علينا إلى جهنم " .




وقال عبد الله بن مسعود
: " الذي يفتي عن كل ما يستفتى عنه مجنون ".




وقال
ابن أبي ليلى : " أدركت مائة وعشرين صحابيا
– وكانت المسألة تعرض على أحدهم - فيردها
إلى الآخر حتى ترجع إلى الأول " .
[13]




قال
المحدث عبد الرؤوف المناوي –تعليقا على هذه
الآثار- : " وبما تقرر علم أنه يحرم على
المفتي التساهل، وعليه التثبت في جوابه…"
[14]


وروي مثل قول ابن مسعود السابق عن ابن عباس
.
[15]




قال
الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أخبرنا عبد
الوارث بن سفيان- وساق بسنده - - عن سليمان
التيمي قال: (( لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع
في الشر كله)) ، قال ابن عبد البر: " وهذا
إجماع لا أعلم فيه خلافاً "




[16]
.




وقال
الإمام النووي: (( لو جاز اتباع أي مذهب شاء
لأفضى إلى أن يلتقط رخص المذاهب متبعاً هواه
، ويتخير بين التحليل والتحريم والوجوب
والجواز ، وذلك يؤدي إلى الانحلال من ربقة
التكليف ))
[17]



قال
الإمام الشاطبي –رحمه الله-: " وقد زاد هذا
الأمر- أمر تتبع الرخص وإفتاء الناس بالأيسر
تارة وبالأشد تارة, وعدم الانضباط بمنهج
محدد- على قدر الكفاية, حتى صار الخلاف في
المسائل معدوداً في حجج الإباحة...فربما وقع
الإفتاء في المسألة, فيقال : لم تمنع
والمسألة مختلف فيها ؟ فيجعل الخلاف حجة في
الجواز لمجرد كونها مختلفا فيها, لا لدليل
يدل على صحة الجواز, ولا لتقليد من هو أولى
بالتقليد من القائل بالمنع، وهو عين الخطأ
على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمداً,
وما ليس بحجة حجة...."
[18].






وقال
الشيخ الإمام إبراهيم ابن هلال : " والفتوى
بغير المشهور حرام من ناحية الحكم بالهوى,
ولو كان المفتي بغير المشهور من أهل العلم
والدين لما أفتى بالشواذ. وإنما هو جاهل
ضعيف الدين, ولا يستغرب مثل ذلك. ومثله في
هذا الزمان كثير. تغمدنا الله برحمته
وعفوه".
[19]




وقال
في موضع آخر : " لأن الحكم بغير المشهور لا
يجوز، بل هو فسق وزندقة, لأنه من ناحية
اتباع الهوى"
[20]

أما إذا لم يكن من ناحية
اتباع الهوى، فلا يكون فسقاً فأحرى أن يكون
زندقة.. ولكنه خلاف الأولى. إلا إذا كان
الحامل عليه تحقيق مصلحة شرعية أو دفع مفسدة
شرعية كذلك .




وقال
الإمام القرافي –رحمه الله- : " أما الحكم
والفتيا بالمرجوح فهو خلاف الإجماع "
[21].




وقال
الإمام الشافعي –رحمه الله- : " لا يجوز لمن
استأهل أن يكون حاكماً أو مفتياً أن يحكم
ولا أن يفتي إلا من جهة خبر لازم.. وذلك
الكتاب والسنة، أو ما قاله أهل العلم لا
يختلفون فيه، أو قياس على بعض هذا. ولا يجوز
له أن يحكم ولا يفتي بالاستحسان ..."
[22].
ووقع نزاع بين الشافعية وغيرهم في تحديد
مصطلح الاستحسان، وعلى كل حال فقد اتفق
العلماء جميعاً مع الشافعي في أنه لا يجوز
الاستحسان الذي هو بمعنى التشهي.. وهذا
مقصودنا هنا .




وقال
النووي –رحمه الله تعالى: (( يحرم التساهل
في الفتوى ومن عرف به حرم استفتاؤه، فمن
التساهل ألا يتثبت ويتسرع بالفتوى قبل
استيفاء حقها من النظر والفكر....ومن
التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع
الحيل المحرمة أو المكروهة, والتمسك بالشبه
طلباً للترخيص لمن يروم نفعه أو التغليظ على
من يريد ضره. وأما من صح قصده, فاحتسب في
طلب حيلة لا شبهة فيها, لتخليص من ورطة يمين
ونحوها, فذلك حسن جميل. وعليه يحمل ما جاء
عن بعض السلف من نحو هذا, كقول سفيان: إنما
العلم عندنا الرخصة من ثقة, فأما التشديد
فيحسنه كل أحد.))
[23].




قال
الحافظ ابن الصلاح: " لا يجوز للمفتي أن
يتساهل في الفتوى, ومن عرف بذلك لم يجز أن
يستفتى, وذلك قد يكون بأن لا يتثبت ويسرع
بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر,
وربما يحمله على ذلك توهمه أن الإسراع
براعة, والإبطاء عجز ومنقصة. وذلك جهل.ولأن
يبطئ ولا يخطئ, أجمل به من أن يعجل فيضل
ويضل..."




[24]





وقال
ابن مفلح الحنبلي: " يحرم التساهل في الفتيا
واستفتاء من عرف بذلك. فإن عرف ما سئل عنه
وجوابه أجاب سريعا. ويحرم أن يتتبع الحيل
المحرمة والمكروهة والترخص لمن أراد نفعه
والتغليظ لمن أراد ضره. فإن حسن قصده في
حيلة لا شبهة فيها ولا مفسدة، ليخلص بها
حالفا من يمينه كما في قصة أيوب –عليه
السلام- جاز.."




[25]





وقال
ابن مفلح –أيضا- : " ويحرم تساهل مفت وتقليد
معروف به ". " ... ومنهم من يفتي، ولا يبلغ
درجة الفتوى. ويرى الناس صورة تقدمه
فيستفتونه، ولو نظر حق النظر وخاف الله
–تعالى- علم أنه لا يحل له أن يفتي ".
[26]




وقد
نقل الإمام الحطاب في شرح المختصر كلاماً
طويلاً لابن رشد في مراتب المفتين، ثم قال :
" قال ابن عرفة: وأما شروط الفتوى ففيها : "
لا ينبغي لطالب العلم أن يفتي حتى يراه
الناس أهلا للفتوى. وقال سحنون : الناس هنا
: العلماء. قال ابن هرمز : ويرى هو نفسه
أهلا لذك. قال القرافي –إثر هذا الكلام- : "
وما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكاً -
والتحنيك وضع اللثام تحت الحنك. وهو من شعار
العلماء- وهذا شأن الفتيا في الزمن المتقدم،
أما اليوم فقد خرق هذا السياج، وهان على
الناس أمر دينهم، فتحدثوا فيه بما يصلح
وبما لا يصلح. وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم،
وأن يقول أحدهم : لا أدري. فلا جرم آل الحال
بالناس إلى هذه الغاية من الاقتداء بالجهال
والمتجرئين على دين الله-تعالى-.




[27]





ولله در القائل في هذا
المعنى :





أنه بحر العلم لا يـرام
بغير حكم الله عند ذلك
نقص في قلوبهم وخابا





كم
جاهل يظنه العوام
فيسألونه فيفتي الهالك
لأته لو ترك الجوابا




وقال
الحافظ أبو الفضل عبد الله بن الصديق
الغماري- رحمه الله-:" أما الذين يسارعون
إلى إباحة بعض المحرمات, ويصدرون فتاوي
يرضون بها رؤساء بعض الحكومات, وقد تختلف
فتاويهم بالتحليل والتحريم حسب اختلاف
الأغراض والشهوات, فهؤلاء مجتهدون في محو
الدين, مجدون في تغيير أحكامه، ولن يفلتوا
من عقاب الله -تعالى-, ولا من شديد انتقامه،
وما الله بغافل عما يعملون ".
[28]




وقال الشاطبي: " فإنه-
أي التلفيق بين المذاهب- يفضي إلى تتبع رخص
المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي .




وقد
حكى ابن حزم الإجماع على أن ذلك فسق لا يحل
"




[29]





وقال الذهبي: " من تتبع
رخص المذاهب وزلات المجتهدين فقد رق دينه
كما قال الأوزاعي أو غيره: من أخذ بقول
المكيين في المتعة والكوفيين في النبيذ
والمدنيين في الغناء والشاميين في عصمة
الخلفاء فقد جمع الشر .




وكذا من أخذ في البيوع
الربوية بمن يتحيل عليها ، وفي الطلاق ونكاح
التحليل بمن توسع فيه وشبه ذلك ، فقد تعرض
للانحلال فنسأل الله العافية والتوفيق .




ولكن
: شأن الطالب أن يدرس –أولاً- مصنفا في
الفقه، فإذا حفظه بحثه وطالع الشروح، فإن
كان ذكياً فقيه النفس، ورأى حجج الأئمة،
فليراقب الله وليحتط لدينه، فإن خير الدين
الورع، ومن ترك الشبهات، فقد استبرأ لدينه
وعرضه، والمعصوم من عصمه الله. -إلى أن قال-
: " ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها وسعة
علم وحسن قصد، فلا يسعه التزام مذهب واحد في
كل أقواله، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في
مسائل، وقامت عليه الحجة، فلا يقلد فيها
إمامه، بل يعمل بما تبرهن، ويقلد الإمام
الآخر بالبرهان، لا بالتشهي والغرض، لكنه لا
يفتي العامة إلا بمذهب إمامه، أو ليصمت فيما
خفي عليه دليله ".




[30]





والأصل فيما ذهب إليه
أهل العلم من كراهية التسرع في الفتوى،
وسقوط فتوى من اشتهر بذلك، حديث وابصة بن
معبد –رضي الله عنه- قال : " أتيت رسول الله
–صلى الله عليه وسلم- فقال: (( جئت تسأل عن
البر والإثم ؟)) قلت : " نعم " قال : (استفت
قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن
إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد
في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك ) .




قال
النووي : حديث حسن رويناه في مسندي الإمامين
أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن.
[31]




قال
الحافظ ابن رجب : " وقوله (( وإن أفتاك
المفتون )). يعني أن ما حاك في صدر الإنسان
فهو إثم وإن أفتاه غيره بأنه ليس بإثم. …
وهذا إنما يكون ممن شرح صدره للإيمان، ويكون
المفتي يفتي له بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من
غير دليل شرعي. فأما ما كان مع المفتي به
دليل شرعي فالواجب على المستفتي الرجوع إليه
وإن لم ينشرح له صدره …."
[32][32]




وقد
ذكر المناوي في شرح حديث أبي ثعلبة –الذي
أخرجه الإمام أحمد، وحسنه السيوطي في
(الجامع الصغير) وهو بمعنى حديث وابصة - : "
أفتوك: أي جعلوا لك رخصة. وذكر أن في بعض
سياقات الحديث : أن سائلا سأل النبي –صلى
الله عليه وسلم- عما يحل له وعما يحرم
عليه..
[33]
مما يشير إلى أن موضوع الحديث الأساسي :
الفتوى في الحلال والحرام.





وهذا الذي قررناه، إنما
هو في مفت يملك أدوات الإفتاء . بأن يكون
مسلماً بالغاً عاقلاً متيقظاً ضابطاً،
عارفاً بأقاويل العلماء ومن أين قالوا،
عارفاً بمعاملات الناس، فقيه النفس، عالماً
بكتاب الله وبسنة رسول الله.. وغير ذلك مما
هو مبسوط في محله من كتب الأصول..




وأما
من لا يملك تلك الأدوات، فالكلام معه مضيعة
للعمر.. ورحم الله ربيعة بن عبد الرحمن ،
فقد دخل عليه رجل –فيما رواه ابن عبد البر
عن الإمام مالك- أو دخل عليه مالك نفسه –كما
في بعض الروايات الأخرى- فوجده يبكي فقال له
: ما يبكيك، أمصيبة نزلت بك ؟ قال : لا.
ولكن استُفتي من لا علم له، ووقع في الإسلام
أمر عظيم، ولبعض من يفتي هاهنا أحق بالسجن
من السراق"!!!
[34].




قال
المراكشي : " ومن أغرب ما سمع ويرى، أن أكثر
المتعاطين للفتوى اليوم، لا يتقنون حتى
الآجرومية، ولا يستحضرون عن ظهر قلب (
الزقاقية ) ولا ( العاصمية ) وأما حديثو
السن منهم فلا تسأل، ولو كنت أعجب من شئ
لعجبت من هؤلاء ." !!
[35]




وقد
عد العلماء جهل المفتي من المسائل التي لا
يعذر بالجهل فيها، ورتبوا على ذلك أن من
أفتى وهو جاهل يضمن ما أفسد أو أتلف بسبب
فتواه.
[36]




فاللهم عافنا واعف عنا
برحمتك يا أرحم الراحمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى